24 - 06 - 2024

مؤشرات | مشاكل ماسبيرو والصحافة والجراحة المشرطية

مؤشرات | مشاكل ماسبيرو والصحافة والجراحة المشرطية

لفت نظري "بوست" قبل أيام يحمل شعار جريدة الدستور عن المذيعة الكبيرة سلمى الشماع وتقترح فيه، من خلال تصريحات صحفية، إضافة مبلغ على فاتورة استهلاك الكهرباء لصالح تطوير "ماسبيرو"، أي تطوير قطاع التلفزيون والإذاعة المصري.

الهدف من الإقتراح من وجهة نظرها عدم تحميل الدولة أية أعباء في تطوير جهاز مهم، على أن يتحمله المواطن المصري المطحون أساسًا بأعباء لا حصر لها، من المشاكل والأسعار.

ولكن الأهم هو الإجابة عن سؤال مهم، من المسؤول عن تدهور ماسبيرو؟، هل هو المواطن المتلقي، أو الحكومة وأجهزتها المعنية هي المسؤولة عن التدهور الذي أصاب الإعلام كله، وتفريغه بشكل متعمد؟. وتأسيس أجهزة وفضائيات موازية من أموال االدولة، أيًا كان مصدرها، في وقت تم ترك الجهاز الإعلامي الرسمي ليواجه مصير الزوال؟.

لابد من الإجابة أولا وقبل أي شئ عن هذه الأسئلة وغيرها، قبل أن نضيف على هذا المواطن في المصنع وفي المستشفى والغيط والمزرعة، وفي المدرسة، وفي الورشة، وفي أي مكان عبئًا أخر زيادة على الأعباء التي ينوء بها ظهره المكسور.

وأليس من المهم أن يتحمل هذا من تسبب في هذ التدهور، ويدفع ثمن أفعاله.

ومن هنا نتعرض لتقرير مهم صدر عن موجز (عدسة) لمركز "حلول للسياسات البديلة" بالجامعة الأمريكية حول ما حدث في ماسبيرو وما جرى لجهازنا الإعلامي الرسمي، فقد أعلن الجهاز المركزي للمحاسبات مؤخرًا أن الهيئة الوطنية للإعلام قد تصدرت قائمة الهيئات الحكومية الخاسرة للعام المالي 2023/2022، ووفقا لتقديرات وحسابات التقرير فقد وصلت الخسائر المالية 10.6 مليار جنيه، أي حوالي 74% من إجمالي خسائر الهيئات الحكومية للعام نفسه.

وفي تفاصيل أخرى فقد أرجعت الهيئة أسباب الأزمة إلى العمالة الزائدة، في إشارة إلى الخصخصة كحلٍّ لمشاكلها، إلا أن هذا المنظور المالي للتعاطي مع الديون يُغفِل أن المحتوى الإخباري والتعليمي والترفيهي الذي من المفترض أن تقدمه الهيئة إلى المواطنين كخدمة عامة، يجب أن يدار بعيدًا عن تدخلات الدولة أو السوق.  

وحسب التحليل والمتابعة، فإن أزمة الهيئة المالية تعود إلى بداية الألفينيات عندما بدأت إيرادات الإعلانات تتراجع، نظرًا إلى ظهور القنوات الفضائية الخاصة، وانخفضت نسب مشاهدة القنوات الحكومية بشكل واضح  بعد عام 2011، نظرًا إلى التغطية غير المستقلة لأحداث الثورة وما أعقبها.

ومن الأسئلة المهمة وحالات الجدل، التي يتكرر الحديث الحكومي عنها هو ضرورة إصلاح أو إعادة هيكلة الهيئة الوطنية للإعلام -المعروفة سابقًا باسم اتحاد الإذاعة والتلفزيون (ماسبيرو)- منذ عام 2017.

والتاريخ والوقائع تشير إلى أن الحكومة سبق وأعلنت عن برنامج إصلاحي، وإن كان من وجهة نظر البعض، غير واضح المعالم ولكنه يعتمد في جوهره على هيكلة المديونية وإشراك القطاع الخاص في إدارة بعض القنوات.

والأمر ليس بهذه السهولة، فهناك الكثير من المخاوف، من هذ التوجه، خصوصا مع ترجيح لجوء الحكومة إلى خصخصة الهيئة أو ربما تسريح العمالة، مع إصرر حكومي  على التعامل مع أزمة المديونية داخل الهيئة من منظور مالي فقط، فدائمًا ما تشكو من ضخامة فاتورة الأجور والحاجة إلى تقليص العمالة.

الإتفاق العام ولا خلاف عليه هو وجود حقيقي للعديد من الوظائف الاسمية داخل الهيئة التي لا حاجة حقيقية إليها، وفاقت فاتورة الأجور حجم الإيرادات بنسب تتراوح بين 19% و75% في السنوات الأخيرة، إلا أن الخبراء والمعنيين بقطاع صناعة الإعلام، يرون أن رغبة الدولة في تعميق المركزية في صنع القرار والسيطرة على المحتوى من أهم أسباب وجود تلك العمالة الزائدة، في إشارة إلى أهمية التناول بحرية أعلى لقضايا الناس والمجتمع، ومن خلال خطاب إعلامي يهم ويجذب الناس، وبالتالي المعلنيين.

وتحليل أرقام الجهاز الإعلامي، تشير إلى أن الأجور في نهاية الأمر لاتتعدى أكثر من 25% من إجمالي المصروفات وهي نفس النسبة تقريبًا في هيئة الإذاعة البريطانية، بينما تتغافل إصلاحات الحكومة عن حقيقة أن هذا الكيان يمثل هيئة خدمية عامة تحتاج إلى تغيير جوهري في علاقتها بالحكومة وطرق تمويلها، بعيدًا عن خصخصتها أو سيطرة النظام عليها حتى ترقى إلى مثيلاتها في المجتمعات الديمقراطية.

الكثيرون يشيرون إلى أن الأصوات المنادية بضرورة العودة إلى الاستثمار في الإذاعات العامة تعالت في السنوات الأخيرة، وسط مخاوف متزايدة إزاء تراجع عديد من القيم الديمقراطية في المجتمعات الغربية بسبب الإعلام الخاص المُوجّه.

وفي رأي صناع المحتوى الإعلامي، يرون أن الهيئة الوطنية للإعلام تفتقر إلى مقومات الإذاعة العامة أو البث العام المعروفة دوليًّا، وبخاصة في الاستقلال الفكري والمالي، وهو ما يتضح بالنظر إلى القانون المنظِّم لعملها.

وبقراءة في النصوص القانونية، نجد العديد من النقاط التي بحاجة إلى معالجة، فرغم أن القانون ينص في مادته الأولى على استقلال الهيئة فإن السلطة التنفيذية تظل المتحكم الرئيسي فيها، فالمُشرِّع لم يكتفِ بمنح السلطة الرئاسية حق اختيار رئيس الهيئة فقط بل أعطاه صلاحيات ضمنية تمكنه من اختيار ثلاثة من أصل ثمانية أعضاء في مجلس إدارة الهيئة.

والبعض يرى أن الهيئة لا تتمتع بالاستقلال المادي المنشود نظرًا لاعتمادها على المخصصات المالية التي تحددها لها الحكومة في الموازنة العامة بالإضافة إلى الهبات والمنح وريع الخدمات والدراسات التي قد تقدمها إلى جهات في الداخل والخارج، وكذلك عوائد استثمار أموالها وأصولها.  

وليس حل أزمة ماسبيرو برسوم يتم تجميعها من المواطنين، الذين ليس لهم ناقة ولا جمل فيما وصلت إليه أحوال إعلامنا وتلفزيوننا الوطني، فينبغي تحقيق الاستقلال المالي للهيئة بطرق مبتكرة.

ولا أتفق مع ما إنتهى إليه التقرير برفع قيمة رسوم الإذاعة المفروضة على فاتورة الكهرباء، بالرغم من تلك الضريبة لم تتغير قيمتها منذ عام 1968.

ومن المقترحات المهمة كف يد السلطة التنفيذية بالكامل عن هذه الهيئة فلا يجوز أن تبقى سلطة تعيين القائمين عليها بقرارات فردية، بل يجب أن ينتقل الأمر إلى البرلمان المنتخب مع إجراء استطلاعات رأي وأبحاث حول نسب المشاهدة بشكل مستمر لمعرفة احتياجات المجتمع وتطويع المحتوى الإعلامي حسب ما تراه متطلبات المشاهدين، وليس رغبة أحد آخر.

ويبقى الطرح الأكثر أهمية، أن تتم معالجة ماسبيرو بنهج إعلامي، يحقق القبول لدى المتلقي، وهذ ينطبق أيضا، على أزمة صناعة الصحافة في البلاد، والتي تعاني من مشاكل ضخمة خصوصًا (الورقية)، ونحن نقترب من مؤتمر نقابة الصحفيين العام السادس، وهي قضايا وتحديات، تستحق أن يتم علاجها بجراحة مشرطية، تعيد لها صحوتها، وإزالة أورامها.
----------------------------------
بقلم: محمود الحضري

مقالات اخرى للكاتب

مؤشرات | 19 كلمة لوزير خارجية إيران تثير القلق





اعلان